الإعلام أداة خطيرة، وأثرها لا يكاد يخفى ولا ينكر، ولذا لم تكن وليدة عصر من العصور، بل استخدمت تقريبا منذ كان الإنسان، باختلاف في الوسائل فقط لا في أصل الاستخدام..
وإذا تساءلنا عن دور الإعلام في المجتمع، وما يستطيع أن يسهم به الإعلام في بناء المجتمع وتطويره.
فإن الإجابة أكبر وأوسع من أن تحتويها عبارة محددة؛ ذلك لأن المجتمع- كل مجتمع إنساني- يقوم أساسًا على الاتصال بين أفراده وجماعاته، وكل اتصال بين البشر يحمل في ثناياه ضربًا أو ضروبًا من الإعلام.
وعلى ذلك فلا يمكن تخيل مجتمع بشري بدون إعلام، وهو أمر لم يستحدثه البشر وإنما حثتهم إليه فطرتهم- لأنهم جبلوا على الاجتماع والتعارف: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات:13].
وهذا التعطش الفطري المتجدد لدى البشر- إلى المعرفة والتعارف- هو ما أكسب التجمعات البشرية منذ القدم صفة "المجتمعات" وخصائصها، وهو أيضًا ما حدا بالإنسان في كل العصور إلى تطوير وسائل الاتصال بغيره- من قريب وبعيد حتى تطورت تلك الوسائل إلى ما نشهد الآن في العصر الحديث من وسائل الإعلام المتقدمة.
ولا شك أن الإعلام في العصر الحديث- أصبح يمثل قوة كبرى لها خطرها وأثرها في بناء وتطوير المجتمعات البشرية المختلفة.
ولنبدأ بتناول دور الإعلام في بناء المجتمع وتطويره؛ فنقول: إن ما يستطيع أن يحصل عليه المواطن من مجالات الإعلام المختلفة- هو ما يستطيع أن يحصل عليه هذا المواطن- فيما لو استطاع أن يتصل بغيره من البشر، فيعلم ما لديهم من الأخبار والمعلومات، ويطلع على ما قد اكتسبوا من التجارب والخبرات وما حققوا من الإنجازات.
ومن هنا يتضح الدور الكبير والخطير الذي يستطيع الإعلام أن يسهم به في تطوير المجتمع بشتى فئاته وقطاعاته، وحل مشكلاته، ومن ذلك ما يلي:
1- وصل المواطن بكل ما يعنيه في المجالات التي تتصل باهتماماته المختلفة.
2- نقل الخبرات وتنمية المهارات في مختلف مجالات النشاط الإنساني معاونة قطاعات الخدمات المختلفة في تأدية رسالتها (مثل قطاع الصحة، وقطاع التعليم، والإنتاج... إلخ).
3- الإسهام في حل مشكلات المجتمع بإلقاء الضوء عليها، والتوعية بها، واقتراح أفضل الحلول لمعالجتها.
4- رفع مستوى الثقافة وتطوير الفكر العام للمجتمع.
5- تكوين الرأي العام المستنير إزاء قضايا المجتمع الداخلية والخارجية من خلال توفير المعلومات الصحيحة والكافية وعرض مختلف الآراء الواعية الصادقة... إلخ.
وهكذا نرى أنه لا يمكن فصل الإعلام عن أي من جوانب الحياة اليومية في المجتمع، ذلك أن الإعلام يحمل على عاتقه مهمة نقل وتطوير "الإرث الحضاري" والإرث الاجتماعي من جيل إلى جيل، وهي مهمة دائبة يومية، بل إنها تكاد تكون مهمة "الخطبة".
ففي كل لحظة تتسابق وكالات الأنباء إلى الحصول على كل خبر جديد من أقصى الأرض إلى أقصاها، وينكبّ عليه الخبراء المختصون بالدرس والتحليل ثم تطيره وسائل الإعلام إلى جماهير الناس كتابةً وإذاعةً وصورة.
ومجمل القول أن الإعلام- بالنسبة للمجتمع الإنساني المعاصر- أشبه ما يكون بجامعة كبرى مفتوحة لها مناهجها اليومية المتجددة والمتغيرة مع الظروف والأحداث، والمتطورة بتطور الحاجات والاهتمامات، والمتسعة باتساع الوعي العام والنشاط العام للمجتمع.
كما أن الإعلام يمثل ساحة كبرى، يلتقي فيها أبناء المجتمع الواحد على اختلاف فئاتهم ومشاربهم.. يلتقون على الخبر الواحد والحدث الواحد.
ويتعارفون على صعيد واحد رغم اختلاف اهتماماتهم وثقافاتهم، لكنهم رغم ذلك يتعارفون على الاهتمامات الأساسية والمشتركة بينهم، والتي تعنيهم كأبناء مجتمع واحد، ثم يتشعبون- كلّ إلى ما يهمه ويعنيه في تلك المأدبة اليومية المتجددة.
وأيضًا فإن الإعلام يمثل مرآة المجتمع الكبرى، والتي يتطلع فيها الجميع ليرى بعضهم بعضًا، يتطلع فيها المواطن ليرى ويسمع الآخرين في مسيرة الحياة اليومية للمجتمع.
وهكذا يتضح لنا أن دور الإعلام في أي مجتمع بشري- دور عظيم وخطير، وهو في المجتمعات المعاصرة أشد أهمية وأكبر خطرًا، حيث تتعدد الاهتمامات وتتناقض الميول وتختلف الاتجاهات، وحيث يقوم الإعلام بهمة البناء ومهمة الحماية والوقاية والتصدي للغزو الفكري الخارجي في آن واحد.
ولا شك أن الإعلام إذا استكمل مقوماته ووسائله الصحيحة وأحسن استخدامه وتوجيهه في مجتمع ما، كان قوة دافعة كبرى للبناء والتطور والنهوض بالمجتمع.
وعلى الجانب الآخر فإن الإعلام الذي يفشل في أداء دوره وتحقيق رسالته في المجتمع لا يقف أثره عند حد الفشل الذاتي.
وإنما يتعدى ذلك إلى إحداث آثار سيئة في المجتمع- أدناها الشعور بالإحباط النفسي في الوجدان العام للمجتمع- وهو ما يدفع أفراد المجتمع إلى الإعراض وعدم التجاوب واللامبالاة- ثم البحث والتطلع إلى مصادر إعلامية بديلة.
ونستطيع أن نميز في هذه الحالة بين نوعين من الإعلام:
الأول: الإعلام المتحير: وهو الإعلام الذي لا يعتمد على الحقائق المجردة ويجنح إلى الدعاية لمذهب سياسي أو خط معين عن طريق التلفيق والتزوير، ومثل هذا الإعلام سرعان ما يفقد ثقة الجماهير، وحتى إذا تضمن بعض الحقائق فإن الجماهير تنظر إليها بعين الريبة والشك والحذر.
الثاني: الإعلام القاصر: وهو إعلام يعتمد على الحقائق المجردة، ولكنه يفشل في تحقيق التأثير المطلوب بتلك الحقائق لدى الجمهور. وغالبًا ما يرجع ذلك إلى خطأ الأسلوب الإعلامي المستخدم.
وليس من شك في أن الخطورة الكبرى للإعلام لا تكون بقدر ما تكون الأثر السيئ والبالغ السوء- حين يتخذ الإعلام وجهة غير بناءة، أو وجهة متجردة من المثل والقيم العليا.
وهو ما نشهده في بعض المجتمعات الرأسمالية الغربية من تقوض البنيان الاجتماعي وتفشي الميل العدواني إلى الجريمة.
وقد كان ذلك نتيجة مباشرة للإعلام المتحرر من القيم الخلقية وتعاليم الأديان السماوية، والذي لا يحده قيد في اندفاعه نحو تحقيق الكسب المادي في سباق الرأسمالية الطاحن المسعور.
وغاية القول أن الإعلام سلاح ذو حدين: فإذا أُحسن استخدامه وتوجيهه كان ركيزة تطور يجد فيه أفراد المجتمع ينبوع المعارف ومصدر التوجيه والإرشاد والتوعية فيما يعن لهم من مشكلات، يجدون فيه العون على تربية أبنائهم وإسعاد أسرهم وتحقيق انتمائهم إلى مجتمعهم.
أما إذا اتخذ الإعلام تلك الوجهة التي تعتمد على الإثارة المجردة التي نشهدها في بعض المجتمعات الغربية فلا شك أنه يمثل أداة تخريب وانحلال، بالرغم من تطوره وتقدمه وفعاليته.
ــــــــــــــــــ
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية